ماذا تريد القاهرة؟
وفيما ترتكز مطالب الإدارة الأمريكية من القاهرة على الملفات الإقليمية، فالقاهرة بالمقابل لديها مطالب داخلية هامة، وأخرى إقليمية، ويمكن استعراض أبرز هذه الملفات في الآتي:
1- وقف الضغط في ملف الإصلاح السياسي:
يعد ملف الإصلاح السياسي على رأس المطالب المصرية من واشنطن، فالقاهرة تريد من واشنطن عدم التدخل في شئونها الداخلية وخاصة ما يتعلق منها بملف الإصلاح السياسي وحقوق الإنسان، ويرجع السبب في ذلك إلى اعتبارات الماضي والمستقبل معا.
بالنسبة للماضي كانت هذه القضية أحد أكبر المؤثرات السلبية التي سببت توتر بين الجانبين؛ فبعد هجمات 11 سبتمبر 2001، سعت إدارة جورج بوش إلى إجراء تعديلات أساسية وجوهرية على شراكاتها الإستراتيجية مع مصر، لتعطي قضية الديمقراطية والإصلاح السياسي الأولوية، وعبرت عن ذلك وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس خلال كلمة ألقتها في القاهرة عام 2005، بالقول "خلال فترة دامت ستين عاماً، سعت الولايات المتحدة إلى تحقيق الاستقرار على حساب الديمقراطية في هذه المنطقة... ولم نحقق أياً منهما".
ومنذ ذلك الحين أصبحت الديمقراطية مطلب الإدارة الأمريكية الأساسي من مصر، ففي خطابين متعاقبين عن "حالة الاتحاد" عامي 2005 و 2006، دعا الرئيس بوش الرئيس مبارك أن "يدل على الطريق المؤدية إلى الديمقراطية في الشرق الأوسط". وخلال فترة ولايته الثانية، ركزت إدارة بوش على قيام إصلاح سياسي في مصر، في محاولة مجددة لاستخدام تأثير المساعدات الخارجية من أجل إحداث تغيير، وفي عام 2006، خصصت الإدارة الأمريكية 50 مليون دولار من المساعدات الاقتصادية لمصر من أجل تعزيز الديمقراطية، ورفضت السماح للقاهرة تحديد أي من منظمات المجتمع المدني ستكون مؤهلة للحصول على مساعدة واشنطن.
وبالنسبة لاعتبارات المستقبل القريب، فإن القاهرة مقبلة خلال العامين القادمين على استحقاقات هامة (انتخابات تشريعية عام 2010، ورئاسية عام 2011)، وهي انتخابات تمس بصورة مباشرة مسألة انتقال السلطة، ومن ثم تهدف مصر الرسمية، من وجهة نظر كثير من المحللين، إلى تحييد إدارة باراك أوباما وتمرير موضوع الخلافة السياسية إلى نجل رئيس الجمهورية عبر انتخابات صورية، أو ما اصطلح على تسميته "التوريث الانتخابي".
2- استمرار المساعدات العسكرية والاقتصادية:
وعلاوة على ملف الإصلاح السياسي، تأتي قضية استمرار المساعدات الأمريكية إلى مصر، خاصة العسكرية منها، على رأس الأولويات المصرية؛ فمنذ عام 1979، وبعد توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، حصلت الحكومة المصرية على أكثر من 50 مليار دولار أمريكي، بمعدل 815 مليون دولار سنوياً للتنمية الاقتصادية، و1.3 مليار دولار كمساعدات عسكرية يتم إنفاقها على شراء أسلحة ومعدات أمريكية وتطوير بعض منظومات التسلح الروسية القديمة وبرامج التدريب العسكري وصيانة الأسلحة والمعدات.
جدير بالذكر أنه في عام 1998 وافقت الحكومتان المصرية والأمريكية على تخفيض المساعدات الاقتصادية خلال العشر سنوات من 815 إلى 415 مليون دولار بحلول عام 2008، مع وضع خطط جديدة تنظم حجم هذه المساعدات، لكن لم يتوصل الطرفان بعد عامين من المفاوضات لنتائج ملموسة على هذا الصعيد.
وتقوم وجهة النظر المصرية في هذا الشأن على أن لا يتم استغلال هذه المساعدات، وخاصة العسكرية، لربطها بأمور داخلية، كما حدث في عام 2007 حينما وافق الكونجرس الأمريكي على مشروع قانون يقضي بتجميد مبلغ قدره 100 مليون دولار من المساعدات العسكرية حتى تستجيب مصر لثلاثة مطالب أساسية، هي، أولاً: إغلاق الأنفاق على الحدود المصرية ـ الإسرائيلية لمنع تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة الذي سيطرت عليه حركة حماس. ثانيًا: إعادة تأهيل وتدريب الشرطة المصرية للتعامل مع مسائل حقوق الإنسان. ثالثًا: الفصل بين ميزانية وزارة العدل والقضاء المصري. غير أن ذات القانون قد منح وزير الخارجية الأمريكي سلطة تجاوز هذه الشروط في حال إذا كانت المساعدات العسكرية لمصر تخدم مصلحة الأمن القومي الأمريكي.
3- مطالب إقليمية:
وإضافة للمطالب الداخلية للنظام المصري، يمكن القول إن لمصر أيضا بعض المطالب الإقليمية الهامة، والتي تمثل تهديدا لأمن مصر القومي، ومن أهم هذه المطالب:
- الملف النووي الإيراني:
لا تخفي معارضة مصر للجوء للخيار العسكري من قبل واشنطن أو تل أبيب ضد إيران، أن القاهرة يعتريها مخاوف وقلق من تمدد نفوذ إيران الإقليمي من جانب، أو أن تتم صفقة أمريكية إيرانية على حساب المصالح العربية من جانب آخر.
ويتمثل خوف القاهرة الأكبر في الاحتمال الثاني، فأي "صفقة إقليمية كبرى"، ستعترف لطهران بنفوذ إقليمي واسع، من شأنها أن تضر بموقع ودور مصر الإقليمي الذي يعاني بالفعل من تدهور، سيما مع تمدد النفوذ الإيراني في لبنان خلال العقدين الأخيرين، ووصوله مؤخرا إلى داخل الأراضي الفلسطينية.
ومن جانب آخر، فإن فشل الحوار الأمريكي الإيراني قد يعني أمرين، إما اشتعال المنطقة بحرب إقليمية مدمرة، وهو ما ترفضه كافة الأطراف العربية، وإما امتلاك طهران لسلاح نووي، وهو ما قد يؤدي إلى تبدل في توازنات منطقة الشرق الأوسط، ومن شأنه أن يشعل سباقا جديدا للتسلح في المنطقة؛ وهو الأمر الذي تسعى القاهرة جاهدة لتجنبه.
- الملف السوداني:
تنظر القاهرة إلى الملف السوداني باعتباره قضية أمن قومي مصري، لأن من شأن أي تفكك للدولة السودانية أن يؤثر على مصر من عدة نواح، إذ يعني أولا ابتعاد سيطرة مصر عن بؤرة مركزية من ركائز أمنها القومي؛ فانفصال الجنوب مثلا يعني دخول أطراف تسعى للإضرار بأمن مصر، ومنها إسرائيل، إلى هذه الكيانات الجديدة، وثانيا يعني تفكك السودان إمكانية تهديد حصة مصر من مياه النيل والبالغة 55 مليار متر مكعب، مقابل 18 مليار متر مكعب للسودان.
وبناء على ذلك تسعى القاهرة إلى دفع واشنطن نحو عدم تصعيد الموقف مع السودان، وخاصة فيما يتعلق بقضية اعتقال الرئيس السوداني عمر البشير، علاوة على الضغط للوصول إلى تسوية للنزاعات الداخلية، والحيلولة دون وقوع السودان في حالة من الفوضى أو أن ينتهي به الأمر إلى مجموعة من الكيانات المشتتة.